المبحث الأوَّل: حُكم الأكل والشُّرب في آنية الذَّهب والفِضَّة لا يجوزُ الأكلُ والشُّربُ في أواني الذَّهَبِ والفِضَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك. الأدلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِ 1- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى ((أنَّهم كانوا عند حُذيفةَ فاستسقى، فسقاه مجوسيٌّ، فلمَّا وضَع القَدَحَ في يدِه رماه به، وقال: لولا أنِّي نهيتُه غيرَ مرةٍ ولا مرَّتين، كأنَّه يقول: لم أفعَلْ هذا، ولكنِّي سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: لا تَلْبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشْرَبوا في آنِيةِ الذَّهبِ والفِضَّة، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا، ولنا في الآخِرةِ)). 2- عن أمِّ سَلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:((الَّذي يَشرَبُ في إناءِ الفِضَّةِ إنما يُجرجِرُ في بَطْنه نارَ جَهنَّمَ)). وفي روايةٍ: ((مَن شَرِبَ في إناءٍ من ذَهبٍ أو فِضَّة، فإنَّما يُجرجِرُ في بطنِه نارًا من جَهنَّم)). 3- عن البَراءِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونهانا عن سَبعٍ: أمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِزِ، وعيادةِ المريضِ، وإجابةِ الدَّاعي، ونصرِ المَظلومِ، وإبرارِ القَسَمِ، وردِّ السَّلامِ، وتَشميتِ العاطِسِ، ونهانا عن آنيةِ الفِضَّةِ، وخاتَمِ الذَّهَبِ، والحريرِ، والدِّيباجِ، والقَسِّيِّ، والإستبرقِ)).
المبحث الثَّاني: استعمال آنية الذَّهب والفِضَّة في غير الأكل والشُّرب يحرُم استعمالُ آنيةِ الذَّهَبِ والفضَّة، كاستعمالِهما في ادِّهانٍ، أو اكتحالٍ، ونحو ذلك، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك. الدَّليل مِن السُّنَّةِ: عن حُذيفة بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((لا تَلْبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشربوا في آنِيةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا، ولنا في الآخِرةِ)). وجه الدَّلالة: أنَّه إذا نُهِيَ عَنِ الأكلِ والشُّربِ في آنيةِ الذَّهَب والفضَّة؛ لِمَا في ذلك من التشبُّهِ بالكفَّارِ- فمِثلُ ذلك إذا استعمَلَهما في غير الأكلِ والشُّربِ سواءً بسواءٍ؛ فإنَّ ذِكرَ الأكْلِ أو الشُّرب فيهما، لا يدلُّ على التَّخصيصِ؛ وذلك لأنَّه في الغالِبِ قد خرج مَخرَجَ الغالِبِ.
المبحث الثَّالث: حُكمُ اقتناءِ آنيةِ الذَّهب والفضَّةِ يحرُم اقتناءُ آنيةِ الذَّهَبِ والفضَّة؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ:، المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة. الأدلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِ عن عبد الرَّحمن بنِ أبي ليلى ((أنَّهم كانوا عند حُذيفةَ فاستسقى، فسقاه مجوسيٌّ، فلمَّا وضَع القَدَح في يدِه رماه به، وقال: لولا أنِّي نهيتُه غيرَ مرةٍ ولا مرَّتين، كأنَّه يقول: لم أفعَلْ هذا، ولكنِّي سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: لا تَلْبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذَّهبِ والفِضَّة، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا، ولنا في الآخِرة)). وجه الدَّلالة: أنَّ مفهومَ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإنَّها لهم في الدُّنيا)): أنَّها ليستْ لكم في الدُّنيا في جميعِ الحالاتِ، وهو دليلٌ على تحريمِ الاتِّخاذِ والاستعمالِ. ثانيًا: أنَّ الأصل أنَّ كلَّ ما لا يجوزُ استعمالُه لا يجوز اتِّخاذُه، كآلاتِ الملاهي. ثالثًا: أنَّ الاتِّخاذَ ذريعةٌ إلى الاستعمالِ، وسدُّ الذَّريعة واجِبٌ.
المبحث الرَّابع: حُكمُ الطَّهارةِ مِن آنية الذَّهبِ والفِضَّة تصحُّ الطَّهارةُ مِن آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّة مع التَّحريمِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة؛ وذلك لأنَّ الإناءَ في الطَّهارةِ أجنبيٌّ عنها، فلهذا لم يؤثِّر فيها، فالتَّحريمُ إذا كان في رُكنِ العبادةِ وشَرطِها أثَّرَ فيها، والإناءُ هنا منفصلٌ عن العبادةِ، ليس شرطًا فيها، ولا تتوقَّفُ صحَّةُ الوضوءِ على استعمالِ الحَرامِ.
المبحث الخامس: الإناء المضبَّب بالذَّهب والفضَّة
المطلب الأوَّل: تعريفُ الضبَّة الضبَّة: قطعةٌ أو شريطٌ يُجمَعُ بها بين طرفَيِ المنكَسِرِ مِن الإناءِ.
المطلب الثَّاني: حُكمُ تضبيبِ الأواني بالفضَّةِ يجوز التَّضبيبُ باليسيرِ مِن الفضَّةِ لحاجةٍ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة. الأدلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ قدَحَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم انكسَرَ، فاتَّخذ مكان الشَّعْبِ سِلسلةً من فِضَّةٍ))، قال عاصم: رأيتُ القدَحَ، وشربتُ فيه. ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن آنيةِ الفضَّةِ، والمضبَّبُ بالفضَّةِ ليس إناءَ فضَّةٍ، فلا يدخُلُ في النَّهيِ، والأصل الحِلُّ، حتى يرِدَ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ على تحريمِ المضبَّبِ.
المطلب الثَّالث: حُكمُ تَضبيبِ الأواني بالذَّهَب يحرُم التَّضبيبُ بالذَّهَبِ مطلقًا؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة؛ وذلك لأنَّ الدَّليلَ جاء بجوازِ التَّضبيب بيسيرِ الفضَّة فحسبُ، فبقِيَ الذَّهبُ على أصلِه في التَّحريمِ.
المبحث السَّادس: حُكم استعمالِ الأواني الثَّمينة غير الذَّهب والفضَّة: يجوز اتِّخاذُ الأواني الثَّمينةِ واستعمالُها، ولو في الأكلِ والشُّربِ، إذا كانت مِن غَيرِ الذَّهَبِ والفضَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والرَّاجِحُ عند المالكيَّة، والأصَحُّ عند الشافعيَّة، وهو مذهَبُ الحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك. الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب 1- عُمومُ قَولِه تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ[الأعراف: 32]. 2- عُمومُ قَولِه تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا[البقرة: 29]. فالأصلُ في الأشياءِ الإباحةُ. ثانيًا: أنَّ تخصيصَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنعَ بالذَّهَبِ والفضَّة يقتضي إباحةَ ما عداهما.